من وحي تلك المضايقات التي اكتوى بنارها والتجارب الكافكاوية التي عانى من عبثيتها الفاقعة استوحى أنور رحماني أجواء روايته الجديدة ما يخفيه الله عنا رواية يحس قارئها بأنها خرجت من معطف فرانز كافكا أو جورج اورويلنيتشه في أواخر القرن الـ 19 مـ أعلن أن الله قد مات. موت له ليحيا قاتله - الإنسان بعد أن كان قد أدرك أنه هو ذاته رافعه فوق السماوات لا الله مُنزله للأرض الدنيا. لكن غير القارئ لنيتشه لن يعرف كيف كان ذلك القتل؟ ولماذا؟
أنور رحماني كتب ليحكي لنا في سردية روائية كيف كانت تلك الوفاة؟ أو الأصح كيف قُتل (الله / الصنم الأكبر)؟
قد يبدو هذا تطرفا مني في البدء بما سبق والحكم على رواية رحماني "ما يخفيه الله عنّا"، لكنها قراءتي أنا، وقد يحكم البعض على الكاتب / الرواية بالمثل حين قراءة الكتب أو مع نهاية كلماتي هذه عنها. لكن كما كتب مرة ماريو فارغاس يوسا: " الأدب الجيد كله متطرف".
عبارة وحكم متطرف في حد ذاته للمفارقة. لكن ما نتفق معه سيكون في كلامه عن الأدب الروائي:
فـ " الأدب هو تمثيل مخادع للحياة ...
يساعدنا بشكل أفضل على فهمها، على قيادتنا في المتاهة التي ولدنا فيها، والتي نجتازها والتي نموت فيها ".
ورواية أنور رحماني ما يخفيه الله عنّا كانت بحقٍ أدبا، لكنه لم يكن تمثيلا مخادعا للحياة وفقط، بل؛ ومتجاوزا لما يُعتبر وجودنا من أصله التمثيل الحقيقي له ولوجوده، هو الحقيقة المطلقة (للغالبية) التي بفضلها كانت الحياة / حياة الإنسان؛ وهي تلك التي جُعلت الحقيقة المترسخة لدى غالب البشر في: (الله / الدين).
فهل ستكون رواية رحماني سبيلا لفهم ولو جزء من حياة ذاك الذي أوجده على صفحات روايته؛ (إنسان / مجتمع - وادي التماسيح) المقهور ممن كان يَعتقدُه سبب وجوده أصلا؛ (الله / الصنم الأكبر) ...؟
في الرواية:
إن كان من تجسد نقيض تام لليوتوبي في الأدب الجزائري / العربي المعاصر فستكون رواية رحماني؛ "ما يخفيه الله عنا " بما تقدمه من بناء ديستوبي على أساسات كافكاوية وأورويلية بغرائبية العالم الذي قدمه لنا كاتبها والبلاد التي تدور فيها أحداث الرواية، بلاد بلا اسم وعالَم أمةٍ بلا تاريخ تَعرفه عن نفسها إلا ما يرويهِ لها (لأهلها) رُهْبانيُّوها.
ابتداء الرواية بمناجاة أم حامل لله مع صرخات مصاحبة لدفعها محاولة أن تمنح للحياة المولود الجديد بخروجه عبر "ذلك المكان الخجل والمتوحش والمتفتح ذات وقت كأزهار الربيع والبشع كالحياة في وقت آخر" صـ 7. حياة تفارقها هي، فيما يحيا الولد الخارج من بطن أمه المبقورة. لكن حياته قُرر أن تكون قصيرة ومُرتهنة بحكم عليه بالموت، حكم ينطقه الراهب/الطبيب على الرضيع باعتباره قاتل أمه والقاتل يقتل في شريعة التماسيح. حكم بالموت على رضيع. نعم الموت! وكيف؟ بإلقائه من طرف أبيه حيا في النهر رفقة جثة والدته للتماسيح المقدسة! لماذا؟ يجيبنا الراهب:" لأنها قوانين المعبد " صـ 15. وفي استسلام كلي لأمر الراهب يرفع الأب ابنه كقربان للتماسيح ويتوجه به جهة النهر المقدس. لكن المعاونة توقفه بصوتها وأمر المعبد؛ قربان الطفل يكون بعد الأم بأسبوع. قرار لا يتعارض مع ما قد قرره الراهب، فهي مسألة وقت لا غير عنده وهو أراد اختصارها وتقليل مشقة النزول من معبد التماسيح للقرية البائس أهلها.
كانت تلك أولغا مؤجلة قدر الطفل المحتوم ومعاونة الراهب وخادمة المعبد هي ذاتها لم يكن أحد بقادر أن يؤجل قدرها المحتوم في أن تكون خادمة للمعبد وكُهَّانه بولادتها في اليوم _المحرّم والذي تُختار المولودات فيه ويسجلن لتكن خادمات للمعبد بعد أن يجتزن مرحلة عمرية عند أهلهن. يؤخذن بعدها للمعبد وحياة الخدمة الأبدية فيه من أجل دين التماسيح ومن أجل أنفسهن أيضا فهن يهربن من عبودية ليدخلن أخرى؛ هن فقط مرتقيات في عبوديتهن الأبدية _ صـ23.
هناك تتعرف أولغا مع رفيقاتها على رب الأرباب أو الصنم الأكبر ويتعلمن دروس دينه الحنيف بمباركة الجد الأكبر _ جاكوشا الخالد والمتخفي تحت قناع لا يعرف لهُ بهِ وجهٌ ولا تحديد لعمر؛ عمر يبدو موغلا في القدم قدم تاريخ هذه القرية وآلهتها.
الآلهة المخيفة؛
وأنا أقرأ تساءلت لماذا اختيرت التماسيح لتكون معبودة أهل النهر، سؤال ستشاركني فيه أولغا الفتاة الصغيرة من الرواية في ليلة من ليالي حيراتها الوجودية، فلحظات تأملها المترافقة مع أرقها يسيطر عليها سؤال واحد: لماذا نعبد آلهة مخيفة؟ يجيبنا الكاتب: " الآلهة التي لا تخيف ليست آلهة بالحجم الكافي لإذعان الشعب كاملا. ولا يمكن لإله طيب أن يسيطر على الفقراء والمساكين والضعفاء، (فـ) لا يتمكن من ذلك سوى إله متوحش". صـ 46. آلهة وتعاليم لا رحيمة لمخالفي تعاليم دين التماسيح وللمتهاونين في خدمة المعبد والأصح في خدمة جاكوشا الخالد فهو ليس خادما للآلهة بل هو كان قد "سخّر الآلهة لمصالحه". فهو كغيره من الكهّان: أشر الأعداء.
فمن هو جاكوشا؟
سؤالي ليس عن جاكوشا كبير الكهنة في الرواية بل إن سؤالي عنه في عالمنا الواقعي والتاريخي، جاكوشا هو الكاهن الذي سيطر بتفكيره وعقله على ما كان قبله الإنسان ذلك الحيوان البشري الحر. وخلال سيرورته التاريخية حتى قبل تحضًّره وتمدُّنه وبعدها لليوم فـ " الكهّان، كما هو معلوم، هم أشر الأعداء- ولكن لماذا؟ لأنهم أكثر الناس عجزا. ومن العجز يتولد عندهم الكره، مرعبا وموحشا، روحيّا ومسموما كأشدّ ما يكون. لقد كان أشدّ الناس كرها في تاريخ العالم على الدوام كهانا، وكان هؤلاء الكارهون أيضا من أشد الأرواح مكرا: - فإزاء روح الثأر التي تسكن الكهّان يكاد لا يدخل أي روح آخر في الاعتبار، وما أبلد تاريخ البشر لولا الرُّوح التي تأتّت إليه من العاجزين". كما قال نيتشه. تأتٍّ كان في رواية رحماني خارجا من رحم الضعف ليجابه هذه الآلهة وكاهنها الأعظم جوكوشا وأتباعه كهَّاناً ومريدين. متجاوزة بل قل محاوِلةً هدم ذلك البناء (الديستوبي/المرعب) المصوِّر للخضوع العُبودي التام فكانت المواجهةُ المجابِهة له.
كتبت حتى هنا وتوقفت من مدة طويلة ولم استطع إكمال المراجعة لهذه الرواية بفكرتها الذكية جدا (وحتى العبقرية) والتي خلق بها أنور رحماني عوالم لها وحبكة ذكية عن الدين ووعوده لمعتنقيه والخرافات التي تنجر الواحدة خلف الأخرى فالخرافة تخلق أخرى وهكذا يصير الإنسان أسير خرافاته هو لا دينه. دين وجب أن يكون له شياطينه وهذا ما كنت أود الحديث عنه وكيف خلق هذا الشيطان وهو الضعيف والضحية.
أين مكمن ذكاء الرواية؟
في فكرتها وحبكتها التي تكشف عن براعة البناء والمسار الذي انتهجه رحماني في خداعه لقارئه ليصدمه كلية ويضعه أمام لافكرة جديدة وفقط بل وأمام تصنيف لا متوقع لروايته ( خيال علمي) ناقد لا للدين والآلهة بل للنظام العالمي الجديد وتوحش الامبريالية الرأسمالية ...
كأمنية:
أن تعاد كتابة هذا العمل وتحريره ليخرج للقارئ في صيغة أفضل تتوافق ومستوى فكرته.
كاعتذار:
كان بودي الكتابة عنه أكثر والتعمق. لكن لبعد المدة الزمنية بين القراءة والكتابة أجدني لم أعطها حقها ولا طاقة لإعادة قراءتها بهذه الصيغة.
داود جامع ما يخفيه الله عنا
ملخص رواية ما يخفيه الله عنّا الممنوعة في الجزائر:
في دولة خيالية لا اسم لها، يؤمن سكّانها بدين التماسيح، حيث تقدّس هذه الك��ئنات وتبجّل ويسري اعتقاد ديني في الشعب أن أكل التمساح للإنسان يشعر هذا الأخير بالمتعة، يدافع السكّان عن هذه الفكرة ويقدسونها ويحّرمون نقدها للحفاظ على الدين، ويحرم شرب ماء النهر، يحكم هذه الدولة نظام المعبد ويترأسه رئيس شفّاف ومتاوري عن الأنظار ولكن الجميع يؤمن بأنّه زعيم أبدي جبّار ولا يموت اسمه جاكوشا، لإحكام قبضته على البلاد يستعمل جاكوشا الرهبان الذين يمثّلون كل وظائف الدولة، الأطباء، الشرطة، القضاة..، حيث الجميع يتنافس لبلوغ مرتبة القوّاد التي هي أعلى مرتبة تشريفية سياسية ودينية في البلاد وحيث تعطى لها أهمية كبيرة لدرجة فتح معبد خاص بها ويسمى معبد القوادة، ولإظهار بعض الليونة في الحكم يظطر جاكوشا في بعض الأحيان لخلق حركات دينية متطرفة أكثر لمحاربتها بدعوى الحفاظ على النظام، فمن أجل تجميل صورته القبيحة كان يحتاج دائما لنموذج أكثر وحشية منه فكانت جبهة انقاذ التماسيح التي هي حركة سياسية دينية تطالب بالمزيد من القرابين البشرية للتمساح لانقاذها من الجوع.
في هذا العالم الفاسد يولد طفل برأس كبير، تتوفى أمّه أثناء ولادته، فيبعث بالحيرة في نظام جاكوشا خوفًا من رأسه الكبير الذي قد يمثل ذكاء مهددا لسطوة النظام، فيقرر نظام المعبد اعدامه بتهمة قتل أمه أثناء الولادة باستعمال رأسه الكبير، تنقذه إحدى الراهبات بعد أن تثور في وجه المعبد فتلقى محاكمة هي الأخرى...
لكي لا أحرق الرواية، أتركها لكم لاكتشافها، الرواية في الأدب الديستوبي تناقش طرق السيطرة السياسية على الشعوب باستعمال مقدساتها الدينية لسرقة مدخراتها وعلاقة هذه الاأنظمة بأنظمة استعمارية فوقية تقوم باخضاع هذه الدول من اجل سرقة ثرواتها وتنويم شعوبها باستعمال مقدساتها الدينية.
الرواية ممنوعة في الجزائر للأسف. ما يخفيه الله عنا عندما دعاني أحد أصدقائي لقراءة هذه الرواية لم أتحمّس كثيرًا في البداية بسبب كثرة الأخطاء المطبعية ولكنّي عندما قرأت الرواية غيّرت رأيي، الرواية سلوك فلسفي متواصل، مكتوبة بأسلوب تقريري ولكنّه جميل في نفس الوقت، الفكرة عبقرية عن بلاد يؤمن سكّانها بديانة غريبة تُعبد فيها التماسيح وتقدّس، ولأكون صريحة فإن العمل كان يحتاج لتدقيق لغوي ولكن يبدو أن دار النشر لم تولي إهتمامًا كبيرًا بالعمل للأسف رواية بهذا الذكاء تستحق أن تنجز بطريقة أحسن ما يخفيه الله عنا انهيت قراءة رواية "ما يخفيه الله عنا" للكاتب أنور رحماني و هي ممنوعة من النشر في الجزائر، تدور احداث هذه الرواية في بلد خالي، المقدس فيه هو الاله "اولوهو" و بما انه لا ينطق ف "جاكوشا" هو المقدس الثاني الناطق باسمه، اما التماسيح المقدسة فبها يتقرب الشعب لأولوهو برمي أطفالهم و أنفسهم إليها ظنا منهم انهم سيرسلون مباشرة الى النعيم و انهم سيشعرون بالسعادة و المتعة بالتمزق بين فكي التمساح.
تأتي هذه الرواية على لسان بطلتها "ألجا" التي ولدت في اليوم المحرم لتصبح ملكا للمعبد، فتربت عند انها حتى وصلت الى سنة الخامسة، ثم ارسل المعبد احد رهبانه لأخذها لتكون خادمة فيه الى الأبد.
تكبر ألجا بعيدة عن امها و تعايش كل تلك الأجواء الوحشية و الهمجية، التي يلقى فيها الاولاد قبل الكبار الى التماسيح...
و في هذا البلد ولد طفل برأس كبير تتوفى أمه أثناء ولادته، فيقرر المعبد القاءه للتماسيح بتهمة قتل أمه أثناء الولادة برأسه الكبير، فتنقذه ألجا و تقرر ان تثور ضد المنظومة السياسية و الدينية، و ان تقود ثورة فكرية من اجل تحرير الشعب من هذه الخرافات التي اسكنها النظام في عقل الشعب تحت اسم الدين.
في هذه الرواية وجهت انتقادات لاذعة و شديدة لرجال الدين و للسلطة السياسية التي تستعمل الدين كأداة للسيطرة على الشعوب. ما يخفيه الله عنا لم أكن أتوقع على الإطلاق مدى عمق هذه الرواية وجودة لغتها - بغض النظر عن كمية الأخطاء الإملائية واللغوية من الناشر - قبل قراءتها ، فكأنها وجبة خيالية سياسية اجتماعية فلسفية دسمة في آن.
أحداث الرواية تدور في مجتمع متخلف يعبد التماسيح لدرجة إلقاء البشر بأنفسهم بين أنيابها طمعا في المغفرة ودخول الجنة ، هذا المجتمع يديره المعبد المكرس للدين المتوهم والقابض ليس فقط على أقدار البشر ولكن أفكارهم وخيالهم ووعيهم .. فيقول الكاتب على لسان جاكوشا (قائد المعبد والدولة): "إن وعي هؤلاء الأفراد لابد أن يكون دائما تحت السيطرة لكبح الشر الطبيعي للبشر ، لابد أن نفكر بدلا عنهم ، وأن ننظم حياتهم وشهوتهم ومصالحهم وذلك بخلق عقل جمعي موحد ثم السيطرة من خلاله عليهم".
هذا المعبد وعن طريق قائده جاكوشا بمعاونة من الرهبان المخلصين ، ولا سيما القوادون منهم وهي أعلى رتبة دينية ، يؤمنون أن "القانون لا يجب أن يكون له قلب ، وأن الرب مسخر لإبقاء النظام لكي لا تحل الفوضى ، وأنه يحق للسلطة ارتكاب الجرائم لكي تحافظ على السلم العام" عملا بمبدأ أن "من كبر في مناخ تعرف فيه الحرية على أنها حرية التمساح في أكله ، لن يستطيع وعيه أبدا تخيل الحرية خارج هذا المجال" وبالتالي فهم منخرطين دائما في عملية غسيل مخ جماعي للشعب الخاضع الذليل لدرجة تصديقه أن صراخ من تمزقهم أنياب التماسيح هو صراخ لذة ومتعة باتحادهم مع المقدس وأنها ألذ مائة مرة من ممارسة الجنس ، وأن جاكوشا القائد شفاف لا يموت وهو الموكل من الرب بالقيادة ، وأن حدود بلادهم وقراهم هي حدود الأرض وأنهم الشعب الوحيد ، وأنهم يجب أن يضحوا بأطفالهم - في معظم الحالات - التمساح لكي يرضى عنهم الرب في طقوس احتفالية همجية دموية.
ثم يضع الكاتب رأيه وقناعته بأن سبب التخلف يرجع إلى توريث الأفكار "إنه تلك القناعة العمياء بكل ما يورث لنا من آباءنا وأجدادنا من أفكار ، وتصديق الرواية الرسمية للسلطة عن التاريخ" والحل هنا هي الثورة الفكرية "لإعادة صناعة الإنسان بما يسمح له بنقد تاريخه ومقدساته ، فالشعوب تحتاج العقول والأسئلة والجدل ، وفوق كل هذا يحتاجون حرية العقل والسؤال والجدل".
ويختم الكاتب بالدرس البليغ على لسان بطلته: "الشعب صناعة ، الفرد صناعة ، صناعة الوعي المزيف والخيال الوهمي والذاكرة الموجهة ، كل ما في الدولة صناعة موثقة بعقد يسمى العقد الإجتماعي، إن الشعب ساحة حكم ، والسلطة أداتها".
ما يخفيه الله عنا رواية مايخفية الله عنا من أفضل الروايات التي قرأتها إن لم تكن أفضلها فقد عشت مع شخصيات الرواية من بدايتي فيها حتى الانتهاء منها ، من ولادة صاحب الرأس الكبير و حتى خطف إلجا و الأنقلاب ..
أغمضت عيني لأتخيل الرواية بكونها رواية خيالية لكن ما أن فتحتها حتى رأيت ما كتب على انه خيال واقع مرير يحدث في مجتمعاتنا
و قد تعمد الكاتب توجيه ضربات غير مباشرة للمقصودين في الرواية
و اختتم التعليق ب الأهداء الذي كتبه الكاتب أنور رحماني في بداية هذا الكتاب :
إلي التماسيح التي أكلت عقولنا إلى تلك المقدسات التي جعلتنا نكره بعضنا بعضاً إلى حماة المعبد إلى جميع المستبدين جميع الظلمة إلى كل سلطة تستعمل دين الشعب للإلتواء عليه إلى كل تاج ملعون فوق رأس كل حاكم حقير إلى رجال الدين الذي كانوا عبيداً للاستعباد إلى التويم المغناطيسي الذي يجعلنا نؤمن باننا اقل قيمة منهم إلى الشعوب المظلومة التي تحمي الظلم بيديها و لا تدرك ذلك .. هدية لكل شخص يشعر أنها تتحدث عن آلامه ما يخفيه الله عنا روايةٌ مدهشة صادمة، مؤلمةٌ ومخيفة، لم يدع فيها رحماني جبهةً ما حارب فيها! إن أنور رحماني، هذا الكاتب الجزائري الذي لم يُعرف في الخليج بعد كما عُرف في بلاده، كان يضرب في كلّ اتجاهٍ في هذه الرواية، ولم يدع أرضًا خطرةً لم يطأها!
تنتمي الرواية إلى الأدب الرمزي الديستوبي، وهي تأتي على لسان بطلتها أُلجا، تلك التي وُلِدَت في اليوم المحرّم، فأصبحت ملكًا للمعبد، تُرِكَت لأمها خمسة أعوام فقط، ثم عاد الرهبان لاستعادتها لتكون أمةً مدى الحياة إلى المعبد. أما عن النظام الديني لهذا المكان الذي تتواجد فيه أُلجا، فالمقدس فيه (حسب فهمي وتأويلي)، هو أولوهو أولا. ولكن، وبما أن هذا الأخير لا ينطق، فإن "جاكوشا" هو المقدس الناطق باسمه وهو المنفّذ لإرادته. وأما التماسيح المقدسة، فهي التي يجب أن يتقرب الشعب لأولوهو برمي أطفالهم وأنفسهم إليها! نعم، فقد أقنع جاكوشا الشعبَ، بأن الأطفال يشعرون بمتعة ما بعدها متعة، وبأنهم يُرسلون مباشرةً إلى النعيم، إذا ما قُطّعوا بين أنياب التماسيح، بل وينطبق هذا حتى على الكبار البالغين: يجب على الجميع أن يتقرب من التماسيح.
تكبر أُلجا في المعبد، بعيدةً عن أمها وإخوتها، وتعايش كل تلك الأجواء الوحشية والهمجية، التي فيها يُلقى الأطفال قبل الكبار إلى التماسيح، فتنقم على ذلك الدين أشد النقمة، وتصوّب إليه انتقاداتٍ لاذعةً في روايتها للأحداث التي جرت عليها.
لن أحرق بقية الرواية على القارئ الكريم، ولكن، وبشكل عام، وكما أسلفت وقلت في الفقرة الأولى، لم يدع رحماني في هذه الرواية جبهةً إلا وحارب فيها، وبشدة، على لسان أُلجا: انتقادات لاذعة وشديدة اللهجة للسلطات السياسية التي تستعمل الأديان كأداة للسيطرة على الشعوب، وانتقادات حادة أيضا للأديان ولرجال الدين (وهذا بديهي في المجتمع المتوحش والدموي الذي تعيش فيه البطلة وهي ساردة الرواية)، وانتقادات لأنظمة الاستعمار الحقيرة التي تتعمد تعيين الأنظمة الفاشلة ودعمها للحفاظ على هيمنتها الشعوب الأخرى المتخلفة، وانتقادات لأنظمة الاستكبار التي تعتبر امتدادًا للاستعمار، وغير ذلك الكثير والكثير، على لسان أُلجا. في هذه الرواية، قدّم رحماني فلسفةً كاملةً للفكر وآليات التقدم والتخلف، وقد كان في ذلك عبقريا رائعا!
الرواية قوية جدا حقا، ولكن تحريرها، على النقيض، كان ضعيفا جدا. ربما لم يكن خطأ الكاتب بل خطأ المحرر أو دار النشر، ولكن، وعلى أية حال، أزعجتني جدا كثرة الأخطاء النحوية والإملائية والترقيمية، كما وآلمتني التفاصيل المسرفة في القسوة والوحشية التي أسهب في وصفها الكاتب، كانت مؤلمةً جدًا بالنسبة لي.
حسين كاظم
٨ مارس ٢٠٢٠م ما يخفيه الله عنا ما يخفيه الله عنا
أنور رحمانى
ريفيو
بين العنوان والخاتمة عشت أحداثًا أقل ما يقال عنها دامية وشائقة وشائكة فى ذات الوقت.
كنت اعتقد أنى أقرأ رواية ل كهل خبر من الحياة ما جعله يسطر خلاصة تجربته الثرية على الورق.لكنى فوجئت بأن الرواية ل شاب ثقافته شملت واحتوت القضية التى يناقشها..فضلا عن انه متسق مع ذاته بشكل كبير.فما يناقشه فى الرواية هو ما يؤمن به ويتكلم عنه فى الحياة..
الاهداء
"إلى التماسيح التى اكلت عقولنا, إلى تلك المقدسات التى جعلتنا نكره بعضنا بعضا، إلى حماة المعبد،إلى جميع المستبدين، جميع الظلمة"
الغلاف الذى جاء على شكل تمساح مفتوح الفم يبتلع فى جوفه الاف الضحايا، مع اهدء الى التماسيح وكلام الرواية برمزية اختارت التمساح رمزا لها، جعلنى أفكر ..لماذا التمساح بالذات؟
هل لأنه شرس؟
أم لانه يتظاهر بالبكاء فيؤثر فيمنحوله؟
أو لانه لا فكاك منه !
بعد الانتهاء من الرواية خلصت انه رمز لها جميعا بل ويتعدى رمزيته أمورا أخرى قد لا اكون وعيتها حتى الان..
فصول الرواية ثلاث..
الظهور المقدس أخبرنا فيه الكاتب عن طقوس غريبة فى بلاد غريبة وزمان لم يتحدد وشرح فيه كم يستعبد رجال دين هذه البلدة شعبها، ويحكمونه بدس السم فى العسل، ويوهمونه حتى بالقاء ابناؤه فى النهر لتلتهمهم التماسيح قربانًا للمقدس ..
حرفية الكاتب تجلت فى وصف المكان والزمان والشعب والحكام الذين يتماهون مع كل عصر..فالكاتب جزائرى لكن ما يكتب عنه يصلح ان يصف حال الشعوب العربية جميعا بسلطوية حكامها ومداهنة رجال الدين وقمع شعوبها.
الفصل الثانى اكبر الفصول وهنا نعيش تناقض الاحساس بالتقديس وكون معرفتنا بان ما حدث للبطلة فى الرواية ليس اكثر من اتفاق ضمنى وظرف استغلته السلطة الحاكمة لفرض سيطرتها اكثر..
هنا نعيش الحقيقة والزيف..كيف يشيطين الناس بعضهم ثم يرفعونهم لمرتبة الملائكة والتقديس..
هل السلطة المطلقة مفسدة مطلقة؟
تجيب البطلة بانحيازها للشعب لكن بمواربة لان المواجهة لا تأتى بنتيجة..
هلى التغيير محتمل؟
يحدث احيانًا ان يقبل الشعب نفسه التغيير واحيانا يرفضه كمصابي متلازمة استوكوهولم وتضامنًا مع الجانى ويكون ملكيًا اكثر من الملك..
هناك مثل مصرى عن فرعون
قالوا ل فرعون ايش فرعنك؟
قال ملقتش حد يلمنى..
هذه الخلاصة اى قمع له طرفان..
احدهما جانى والاخر ضحية او يستمرىء دور الضحية..
الفصل الاخير اقصرهم واوجزهم واكثرهم خفة وتفاؤلا اذ انه حمل معه الامل فى الحرية..
..
الشباب دومًا مفتاح المعادلة ورمانة الميزان ..حماسهم وشجاعتهم التى لم تختبر بعد ولم يجربوا طعم الذل والهوان..يجعلهم الحل دائما..
لا غرابة اذن ان تأتى الحرية مع مقدم الطفل المعجزة الذى رمز له بالرأس الكبير دلالة على سعة اطلاعه وعمق معرفته..
البطلة ايضا حملت من الشجاعة ما جعلها تقف فى وجه السلطة ليس فقط بالنوايا الحسنة لكن بالقرارات الصارمة لتثبت لنا انه لا يكفى ان يكون معك الحق لكن يحتاج الجق لقوة تحميه..
واختتم الكاتب الرواية بالفصل الاخير معنونه ب :
ماذا قد يخفى الرب عنا فى هذه الارض الجديدة؟
وهذا ما ادعوكم لمعرفت واكتشافه من خلال قراءة الرواية..
هى رواية تستحق القراءة والتأمل .
وصاحبها يستحق الاشادة والدعم والمحبة كونه فضل نشرها فى مصر..
الرواية صادرة عن دار أطلس
للكاتب المتميز أنور رحمانى
تقع فى 370 صفحة
لغتها العربية قوية وجزلة وبقدر ما تصدمك الحقائق تريحك فى النهاية
استمتعت بقرائتها ..وأعطيها 5 نجوم تقييم لعمل جاء متكاملا من حيث الفكرة ورسم الشخصيات وعرض القضية فى جرأة لا تخلو من جمال.. ما يخفيه الله عنا لم أقرأ في حياتي رواية عربية بهذه القدرة على التحليل، لم تكن الرواية مجرّد نصًّا سرديا بل كانت كتابًا فلسفيًا يحلّل بشكل دقيق موضوع هام من مواضيع الفلسفة السياسية "الدولة الثيوقراطية"،الرواية يمكن أن تكون درسا لكل متزمت ولكل من يرفع شعار الدين في وجه الإنسان، أحببت الرواية حقًا وددت لو اعطيت كاتبها خمس نجمات ولكن عندما عرفت سن الكاتب الشاب فأظن أن أربع نقاط كفاية من أجل تحفيز الكاتب على المثابرة مجدّدًا، برافو للكاتب على هذه التحفة ما يخفيه الله عنا الكاتب أبدع في القصة و أحداثها. القصة كانت مميزة و جريئة بالنسبة لكتاب عربي. الكاتب خياله خصب و القارئ يستطيع أن يلمس هذا الشيء في القصة و تفاصيلها و بنية الاحداث ككل.
المشكلة الوحيدة في وجهة نظري هو في التنفيذ. التنفيذ جداً ظلم الرواية و فكرتها. مستوى الكتابة لم يكن بالمطلوب و العمل يتخلله اخطاء املائية واضحة جداً. أسلوب الكتابة نفسه في بعض الاحيان لم يعجبني، بالذات عندما كان الكاتب يحاول أن يعبر عن ارائه الدينية و السياسية على لسان الشخصيات أو في سرد الاحداث بطريقة أثرت على مسرى الأحداث و أجبرت القارئ في عدة مرات أن يخرج من جو القصة. لأن طريقة عرض هذه الافكار في كثير من الاوقات لم تكن في محلها.
لست ضد أن يعرض الكاتب افكاره على شكل رواية، و اساساً وافقته في أغلب الاشياء التي ذكرها. فالنقد هنا ليس للافكار نفسها و لكن في طريقة ايصالها. برأيي الكاتب الماهر يستطيع أن يوصل فكرته بطريقة ذكية بدون تلقين للقارئ. ما يخفيه الله عنا